فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان مما لا يخفى أصلًا أنهم أجيبوا، ولا يقع فيه نزاع ولا يتعلق بالسؤال عنه غرض، تجاوز السؤال إلى الاستفهام من نوع الإجابة فقال: {ماذا أجبتم} أي أيّ إجابة أجابكم من أرسلتم إليهم؟ إجابة طاعة أو إجابة معصية.
ولما كان المقصود من قولهم بيان الناجي من غيره، وكانت الشهادة في تلك الدار لا تنفع إلا فيما وافق فيه الإضمار الإظهار، فكانت شهادتهم لا تنفع المشهود له بحسن الإجابة إلا أن يطابق ما قاله بلسانه اعتقاده بقلبه {قالوا} نافين لعلمهم أصلًا ورأسًا إذا كان موقوفًا على شرط هو من علم ما غاب ولا علم لهم به {لا علم لنا} أي على الحقيقة لأنا لا نعلم إلا ما شهدناه، وما غاب عنا أكثر، وإذا كان الغائب قد يكون مخالفًا للمشهود، فما شهد ليس بعلم، لأنه غير مطابق للواقع، ولهذا عللوا بقولهم: {إنك أنت} أي وحدك {علام الغيوب} أي كلها، تعلمها علمًا تامًا فكيف بما غاب عنا من أحوال قومنا! فكيف بالشهادة! فكيف بما شهدنا من ذلك! وهذا في موضع قولهم: أنت أعلم، لكن هذا أحسن أدبًا، فإنهم محوا أنفسهم من ديوان العلم بالكلية، لأن كل علم يتلاشى إذا نسب إلى علمه ويضمحل مهما قرن بصفته أو اسمه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ}.
اعلم أن عادة الله تعالى جارية في هذا الكتاب الكريم أنه إذا ذكر أنواعًا كثيرة من الشرائع والتكاليف والأحكام، أتبعها إما بالإلهيات، وإما بشرح أحوال الأنبياء، أو بشرح أحوال القيامة ليصير ذلك مؤكدًا لما تقدم ذكره من التكاليف والشرائع فلا جرم لما ذكر فيما تقدم أنواعًا كثيرة من الشرائع أتبعها بوصف أحوال القيامة أولًا، ثم ذكر أحوال عيسى.
أما وصف أحوال القيامة فهو قوله: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل} يُقال: ما وجه اتصال هذه الآية بما قبلها؟ فالجواب أنه اتصال الزجر عن الإظهار خلاف الإبطان في وصية أو غيرها مما ينبىء أن المجازِي عليه عالمٌ به.
و{يَوْمَ} ظرف زمان والعامل فيه «واسمعوا» أي واسمعوا خبر يوم.
وقيل: التقدير واتقوا يوم يجمع الله الرسل؛ عن الزجاج.
وقيل: التقدير اذكروا أو احذروا يوم القيامة حين يجمع الله الرسل، والمعنى متقارب؛ والمراد التهديد والتخويف.
{فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} أي ما الذي أجابتكم به أُممكم؟ وما الذي ردّ عليكم قومكم حين دعوتموهم إلى توحيدي؟.
{قَالُواْ} أي فيقولون: {لاَ عِلْمَ لَنَا}. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل}
في هذه الآية قولان:
أحدهما: أنها متصلة بما قبلها وعلى هذا التقدير ففيه وجهان: الأول: قال الزجاج تقديره: واتقوا الله يوم يجمع الله الرسل، ولا يجوز أن ينصب على الظرف لهذا الفعل لأنهم لم يؤمروا بالتقوى في ذلك اليوم، ولكن على المفعول له.
الثاني: قال القفال رحمه الله: يجوز أن يكون التقدير: والله لا يهدي القوم الفاسقين يوم يجمع الله الرسل، أي لا يهديهم إلى الجنة كما قال: {وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ} [النساء: 168، 169].
والقول الثاني: أنها منقطعة عما قبلها، وعلى هذا التقدير ففيه أيضًا وجهان: الأول: أن التقدير: اذكر يوم يجمع الله الرسل.
والثاني: أن يكون التقدير: يوم يجمع الله الرسل كان كيت وكيت. اهـ.
قال الفخر:
قال صاحب الكشاف قوله ماذا منتصب بأجبتم انتصاب مصدره على معنى أي أجابه أجبتم إجابة إنكار أم إجابة إقرار.
ولو أريد الجواب لقيل بماذا أجبتم.
فإن قيل: وأي فائدة في هذا السؤال؟ قلنا: توبيخ قومهم كما أن قوله: {وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9] المقصود منه توبيخ من فعل ذلك الفعل. اهـ.
قال الفخر:
ظاهر قوله تعالى: {قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ علام الغيوب} يدل على أن الأنبياء لا يشهدون لأممهم.
والجمع بين هذا وبين قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيدًا} [النساء: 41] مشكل.
وأيضًا قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] فإذا كانت أمتنا تشهد لسائر الناس فالأنبياء أولى بأن يشهدوا لأممهم بذلك.
والجواب عنه من وجوه:
الأول: قال جمع من المفسرين إن للقيامة زلازل وأهوالًا بحيث تزول القلوب عن مواضعها عند مشاهدتها.
فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام عند مشاهدة تلك الأهوال ينسون أكثر الأمور، فهنالك يقولون لا علم لنا، فإذا عادت قلوبهم إليهم فعند ذلك يشهدون للأمم.
وهذا الجواب وإن ذهب إليه جمع عظيم من الأكابر فهو عندي ضعيف، لأنه تعالى قال في صفة أهل الثواب {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103] وقال أيضًا {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضاحكة مُّسْتَبْشِرَةٌ} [عبس: 38، 39] بل إنه تعالى قال: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ والذين هَادُواْ والنصارى والصابئين مَنْ ءامَنَ بالله واليوم الاخر وَعَمِلَ صالحا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوفٌ وَلا هُم يَحزَنُونَ} [البقرة: 62] فكيف يكون حال الأنبياء والرسل أقل من ذلك، ومعلوم أنهم لو خافوا لكانوا أقل منزلة من هؤلاء الذين أخبر الله تعالى عنهم أنهم لا يخافون ألبتة.
والوجه الثاني: أن المراد منه المبالغة في تحقيق فضيحتهم كمن يقول لغيره ما تقول في فلان؟ فيقول: أنت أعلم به مني، كأنه قيل: لا يحتاج فيه إلى الشهادة لظهوره، وهذا أيضًا ليس بقوي لأن السؤال إنما وقع عن كل الأمة وكل الأمة ما كانوا كافرين حتى تريد الرسل بالنفي تبكيتهم وفضيحتهم.
والوجه الثالث: في الجواب وهو الأصح وهو الذي اختاره ابن عباس أنهم إنما قالوا لا علم لنا لأنك تعلم ما أظهروا وما أضمروا ونحن لا نعلم إلا ما أظهروا فعلمك فيهم أنفذ من علمنا.
فلهذا المعنى نفوا العلم عن أنفسهم لأن علمهم عند الله كلا علم.
والوجه الرابع: في الجواب أنهم قالوا: لا علم لنا، إلا أن علمنا جوابهم لنا وقت حياتنا، ولا نعلم ما كان منهم بعد وفاتنا.
والجزاء والثواب إنما يحصلان على الخاتمة وذلك غير معلوم لنا.
فلهذا المعنى قالوا لا علم لنا وقوله: {إِنَّكَ أَنتَ علام الغيوب} يشهد بصحة هذين الجوابين.
الوجه الخامس: وهو الذي خطر ببالي وقت الكتابة، أنه قد ثبت في علم الأصول أن العلم غير والظن غير والحاصل عند كل أحد من حال الغير إنما هو الظن لا العلم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «نحن نحكم بالظاهر، والله يتولى السّرائر» وقال عليه الصلاة والسلام: «إنكم لتختصمون لدي ولعلّ بعضَكم ألحنُ بحجَّته، فمن حكمت له بغير حقه فكأنما قطعت له قِطْعةً من النار» أو لفظ هذا معناه.
فالأنبياء قالوا: لا علم لنا ألبتة بأحوالهم، إنما الحاصل عندنا من أحوالهم هو الظن، والظن كان معتبرًا في الدنيا، لأن الأحكام في الدنيا كانت مبنية على الظن، وأما الآخرة فلا التفات فيها إلى الظن لأن الأحكام في الآخرة مبنية على حقائق الأشياء، وبواطن الأمور.
فلهذا السبب قالوا {لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} ولم يذكروا ألبتة ما معهم من الظن لأن الظن لا عبرة به في القيامة.
الوجه السادس: أنهم لما علموا أنه سبحانه وتعالى عالم لا يجهل، حكيم لا يسفه، عادل لا يظلم، علموا أن قولهم لا يفيد خيرًا، ولا يدفع شرًا فرأوا أن الأدب في السكوت، وفي تفويض الأمر إلى عدل الحي القيوم الذي لا يموت. اهـ.

.قال الزمخشري:

فإن قلت: كيف يقولون: {لاَ عِلْمَ لَنَا} وقد علموا بما أجيبوا؟
قلت: يعلمون أن الغرض بالسؤال توبيخ أعدائهم فيكلون الأمر إلى علمه وإحاطته بما منوا به منهم وكابدوا من سوء إجابتهم، إظهارًا للتشكي واللجإ إلى ربهم في الانتقام منهم، وذلك أعظم على الكفرة وأفت في أعضادهم وأجلب لحسرتهم وسقوطهم في أيديهم إذا اجتمع توبيخ الله وتشكي أنبيائه عليهم.
ومثاله أن ينكب بعض الخوارج على السلطان خاصة من خواصه نكبة قد عرفها السلطان واطلع على كنهها وعزم على الانتصار له منه، فيجمع بينهما ويقول له: ما فعل بك هذا الخارجي وهو عالم بما فعل به، يريد توبيخه وتبكيته، فيقول له: أنت أعلم بما فعل بي تفويضًا للأمر إلى علم سلطانه، واتكالًا عليه، وإظهارًا للشكاية، وتعظيمًا لما حلّ به منه.
وقيل: من هول ذلك اليوم يفزعون ويذهلون عن الجواب، ثم يجيبون بعدما تثوب إليهم عقولهم بالشهادة على أممهم.
وقيل: معناه علمنا ساقط مع علمك ومغمور به، لأنك علام الغيوب.
ومن علم الخفيات لم تخف عليه الظواهر التي منها إجابة الأمم لرسلهم، فكأنه لا علم لنا إلى جنب علمك.
وقيل: لا علم لنا بما كان منهم بعدنا، وإنما الحكم للخاتمة.
وكيف يخفى عليهم أمرهم وقد رأوهم سود الوجوه زرق العيون موبخين. اهـ.

.قال الماوردي:

في قوله: {لاَ عِلْمَ لَنا} خمسة تأويلات:
أحدها: لم يكن ذلك إنكارًا لِمَا علموه ولكن ذهلوا عن الجواب من هول ذلك اليوم ثم أجابوا بعدما ثابت عقولهم، قاله الحسن، والسدي.
والثاني: لا علم لنا إلا ما علمتنا، قاله مجاهد.
والثالث: لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا، قاله ابن عباس.
والرابع: لا علم لنا بما أجاب به أممنا، لأن ذلك هو الذي يقع عليه الجزاء، وهو مروي عن الحسن أيضًا.
والخامس: أن معنى قوله: {مَاذَا أُجِبْتُمْ} أي ماذا عملوا بعدكم {قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوْبِ} قاله ابن جريج.
فإن قيل: فلم سألهم عما هو أعلم به منهم؟ فعليه جوابان:
أحدهما: أنه إنما سألهم ليعلمهم ما لم يعلموا من كفر أممهم ونفاقهم وكذبهم عليهم من بعدهم.
والثاني: أنه أراد أن يفضحهم بذلك على الأشهاد ليكون ذلك نوعًا من العقوبة لهم. اهـ. باختصار يسير.

.قال الثعلبي:

{مَاذَا أُجِبْتُمْ} أي ما الذي أجابتكم أمتكم وما الذي ردّ عليكم قومكم حين دعوتموهم إلى توحيدي وطاعتي {قَالُواْ} أي فيقولون {لاَ عِلْمَ لَنَا} قال ابن عباس: لا علم لنا إلاّ علم أنت أعلم به منا.
وقال ابن جريح: معنى قوله: {مَاذَا أُجِبْتُمْ} أي ما حملوا ويصدقوا بعدكم فيقولوا: لا علم لنا.
الحسن ومجاهد، السدي ممن يقول ذلك اليوم يفزعون ويذهلون عن الجواب، ثم يحتسبون بعدما تثوب إليهم عقولهم بالشهادة على أمتهم. اهـ.